ارهاق الألوان
من الصعب العيش بدون حاسة النظر…
عدم القدرة على رؤية الأشياء حولك…
عائلتك..
اصدقائك..
عدم القدرة على الاستمتاع بالطبيعة…
عدم القدرة على رؤية جمال الأشياء…
تغيير نمط الحياة بشكل كبير للتعويض عن فقدان حاسة النظر…
فنحن نعتمد بشكل كبير في حياتنا اليومية عليها..
في نهاية الامر، هي حاسة بدائية جدا… ولكن أساسية..
ليس فقط للإنسان… ولكن أيضا لأغلب المخلوقات الحية..
وبالرغم من بدائيتها، الى أن النظام المبني عليها معقد جدا!
معقد بمراحل متعددة!!!
سنتحدث بالمدونة عن مواضيع مختلفة في النظر والرؤية…. ولكن قبل التطرق بالتفاصيل، دعني ابدأ مقالة اليوم بتجربة بسيطة وممتعة..
تجربة بصرية
انظر الى الصورة بالأسفل لمدة لا تقل عن ثلاثين ثانية..
حاول التركيز باستمرار على النقطة الخضراء الموضوعة بمنتصف الصورة وحاول ان لا تنظر او تحرك عينيك او رأسك في أي جهة أخرى..
بعد مرور المدة المحددة، انظر الى الصفحة البيضاء بأسفل الصورة… ماذا ترى؟
اذا اتبعت التعليمات بشكل صحيح كما هو موصوف مسبقًا، سترى علم المملكة العربية السعودية بلونه الأخضر والبيض..
رائع، هاه؟!
ولكن أيضا غريب !!
كيف للألوان أن تختلف؟… وما تفسير ظهور الصورة الملونة عند النظر في الـلاشيء (صفحة بيضاء)؟؟
وصلتني صورة لتجربة مماثلة عبر تطبيق الواتس اب .. وأجدها مناسبة جدا لمقالة اليوم…
ليست بـ”ـسحر” او حتى بـ”ـخدعة” كما هو منشور في وسائل التواصل… ولكن لها تفسير علمي مبني على كيفية عمل جهازنا النظري…
سأشرح التفسير العلمي لهذه التجربة بنهاية المقالة، ولكن علينا أولا معرفة كيفية عمل العين وكيفية رؤية الأشياء.
انعكاس الضوء
كيف تصل الصورة لأعيننا
العينين هي نافذة رؤيتنا للأشياء. ولكن مبدأ رؤية الأشياء يبدأ من وجود الضوء. فبدون الضوء لا يمكننا رؤية الأشياء طبعا..
الضوء هو موجات كهرومغناطيسية مكونة من مزيج جميع الألوان…
سنتطرق بمقالة لاحقة عن كيفية عمل الضوء والألوان وكيفية وصوله الى أعيننا وتفسيره من قبل أدمغتنا بشكل مفصل..
ولكن لنختصر الأمر….
ينعكس الضوء على الأجسام والتي بالتالي تمتص بعضً من الضوء (أي بعض الألوان)، وتعكس بعضً منه.
الضوء المنعكس هو عبارة عن الألوان الغير ممتصة من الأجسام. يقع الضوء المنعكس على أعيننا بألوانٍ مختلفة (بحسب انعكاس الضوء على الجسم) مما يجعلنا نرى الأشياء.
كمثال، لون التفاحة الحمراء سببه عدم امتصاص التفاحة لموجات الضوء الحمراء 1.
وكيف نرى الأشياء؟
تشريح العين
العين عبارة عن جسم كروي الشكل، مليء بسائل شفاف يحافظ على شكلها الكروي.
تحاط العين بغلاف دهني وبعضلات العين التي تمكننا من تحريكها.
من الجهة الأمامية للعين توجد العضلة القزحية (Iris muscle) وهي في الحقيقة عبارة عن جزئيين (عضلة دائرية وعضلة طولية) والتي تتحكم بفتحة العين (البؤبؤ) عن طريق الإتساع والتقلص..
يدخل الضوء عند وصوله للعين من خلال فتحة البؤبؤ والتي تتحكم بكمية الضوء. ومن ثم يمر الضوء بعدسة العين والتي تسلط الضوء على جدار العين الخلفي، موقع وجود المستقبلات2.
ماذا تعرف عن المستقبلات؟
المستقبلات هي جسيمات صغيرة متواجدة بكثرة في مختلف مناطق الجسم…
وظيفة هذه المستقبلات هي تحويل المحفزات الخارجية الى نبضات كهربائية يمكن نقلها الى الدماغ..
للتبسيط، يمكن القول انها تعمل كمترجم لما نرى، نسمع، نحس، ونتذوق…
وكما توجد مستقبلات كيميائية في ألسنتنا للتذوق.. ومستقبلات موجية في أذاننا للسمع..
توجد لدينا مستقبلات ضوئية في أعيننا…
لدينا عموما نوعين من المستقبلات الضوئية: المخاريط (Cones) والقضبان (Rods)..
تتواجد المخاريط بكثرة في منتصف جدار العين الخلفي.. بالتحديد موقع وقوع الضوء بعد مروره من عدسة العين..
تعمل المخاريط بشكل أساسي في وجود ضوء كافي… أي مثلا بالنهار او في الغرف المضيئة..
تتميز المخاريط بحساسيتها للألوان واستجابتها بشكل جيد لتفاصيل الأشياء التي نراها…
لذلك تعتبر العامل الأساسي في رؤية التفاصيل حين وجود الضوء الكافي…
في المقابل، تتواجد القضبان بشكل أكثر في أطراف جدار العين… وتعمل بشكل أساسي في الظلمة أو في وجود ضوء خافت …
القضبان لا تستجيب للألوان، فتعطي صورة مزيج من الأبيض والأسود.. وظيفتها تكمن بتحسين الرؤية قدر المستطاع في أوقات الظلمة…وبذلك أيضا ليست لها استجابة دقيقة بتفاصيل الأشياء التي نراها. ولكن لديها حساسية ممتازة لحركة الأشياء. 3 4….
هل تعلم أن ٧٠٪ من جميع المستقبلات الموجودة بالجسم موجودة بأعيننا؟!
توجد حوالي ١٣٠ تريليون مستقبل ضوئي في العين الواحدة !!
كيف نرى الألوان؟
لدى المخاريط ثلاثة أنواع مختلفة… مخاريط مستجيبة للون الأحمر، وأخرى للون الأزرق، وأخيرة للون الأخضر..
بعد انعكاس الضوء على الجسم المرئي ومروره بداخل العين ومن ثم وقوعه على المستقبلات، تتحفز المخاريط المستجيبة للون الأحمر او الأخضر او الأزرق بناء على اللون المنعكس من الجسم المرئي.
على سبيل المثال: انعكاس الضوء على تفاحة يعكس اللون الأحمر ،يمتص الألوان الباقية، مما يؤدي الى تحفيز المخاريط المستجيبة للون الأحمر عند وصوله للعين..
وعند انعكاس مزيج من هذه الألوان تتحفز أيضًا مزيج من المخاريط.
فانعكاس الضوء على برتقالة يحفز المخاريط المستجيبة للون الأحمر واللون الأخضر، والذي ينتج اللون البرتقالي..
اللون الأبيض هو مزيج من جميع الألوان… وبالتالي تتحفز جميع المخاريط عند انعكاسه على العين… واللون الأسود هو انعدام الألوان، أي امتصاص الجسم لجميع الألوان.
تُتَرجم المخاريط المحفزات الضوئية الى محفزات كهربائية والتي يمكن انتقالها الى الأعصاب المرتبطة بها ومن ثم ارسالها للدماغ لتحليلها وتفسيرها..
نظرية ارهاق الألوان
يمكن تفسير التجربة المذكورة بأول المقالة الى نظرية ارهاق الألوان..
النظرية تشرح إمكانية ارهاق المستقبلات الضوئية بعد تحفيزها لمدة معين. وبالتالي، عند تحفيزها مرة أخرى قد لا تتحفز او تتحفز فقط بشكل ضئيل جدا عند عدم إعطائها وقت كافي للراحة…
على سبيل المثال، عند التدقيق في الصورة بأول المقالة، تتحفز المخاريط المستجيبة للون الأحمر واللون الأزرق (مزيج اللون الوردي) … وعند الإستمرار بالنظر، ترهق هذه المخاريط.. في حين تكون المخاريط المستجيبة للون الأخضر بكامل طاقتها….
عند النظر للصفحة البيضاء بعد ذلك (تذكر أن اللون الأبيض يحتوي على جميع الألوان)، تتحفز المخاريط المستجيبة للون الأخضر كما هو معتاد. في حين لا تتحفز المخاريط المستجيبة للون الأحمر أو اللون الازرق كما يجب بسبب ارهاقها وعدم حصولها على وقت من الراحة لإستعادة كامل طاقتها..
وبذلك يتم فقط تحفيز المخاريط المستجيبة للون الأخضر، وبالتالي ترى اللون الأخضر!!5
نظام النظر معقد كما ترى…. سنتطرق لاحقًا لتفسير مواضيع أخرى متعلقة بالنظر والرؤية..
ودور أدمغتنا ومقدار تأثيره على هذا النظام..
References
- Science Learning Hub – Pokapū Akoranga Pūtaiao (2019) ‘Colors of light’, Science Learning Hub, 24 April. Available at: https://www.sciencelearn.org.nz/resources/47-colours-of-light
- national keratoconus foundation ‘How does the human eye work?’, National Keratoconus foundation, Available at: https://www.nkcf.org/about-keratoconus/how-the-human-eye-works/
- ‘Rods and Cones, Available at: https://www.cis.rit.edu/people/faculty/montag/vandplite/pages/chap_9/ch9p1.html
- Rachna C. (2019) ‘Difference between Rodes and Cones’, Bio Differences, 6 Feb, Available at: https://biodifferences.com/difference-between-rods-and-cones.html
- Physclips, ‘Complementary colours, after-images, retinal fatigue, colour mixing and contrast sensitivity’, The university of New South Wales’, Available at: https://www.animations.physics.unsw.edu.au/jw/light/complementary-colours.htm